كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



" هَذَا قَدْ عَلِمْتُهُ لأَنَّ ٱللهَ لِي "

( القراءة : مزمور 56 و 34 )

مقدّمة

إنّي لعلى ثقةٍ أنّك سوف توافقني ( بل أرجو أن توافقني على أيّ حال ) , أنّ هذا رائع : خالق الكون , العظيم الابدي , مرتبط بي " أنا " – إنّه ربط نفسه بي : إنسان أناني , دودة صغيرة مثلي ( كي لا أذكرك أنت !!) . يا له من فكر عظيم ! ولكن ليس هذا فقط , بل يخبرنا النّص بأن الله مرتبط بنا بالضّمير : " لي " . إنّه ليس فقط مرتبط بنا بل هو " لنا " .

 

قد تتخيّل الان داوود يطفر بين الحقول , تواجهه الشّمس , وسقسقة العصافير في أًذنيه , متفكّراً بنفسه : " كم باركني الله – بالفعل إنّ الله لي !! أظن أني سوف أكتب مزموراً !! " قد تتخيّله يداعب أوتار قيثارته إحتفاءاً بأحد الاعياد العظيمة , بينما الكثير من الاصدقاء والرّفقاء , يغنّون حوله : " هذا قد علمته لانّ الله لي " . إن أخذك تفكيرك الى هذا الامر , فمما لا شك فيه أنّك مخطئ . إنك سوف ترى , عند التّحقيق من الاحداث التي قادته الى كتابة مزمور 56 , صورة مختلفة تماماً ( بل مناقضة!!) . كتب داوود هذا المزمور عندما كان كل شيء حوله , وداخله , بفوضى عارمة – إذا صحّ التّعبير .

 

ففي هذا المقال سوف نعمل ثلاث أمور : أوّلاً , سوف نعتبر الاحداث التي وجد داوود نفسه فيها . ثانياً , سننظر الى مزمور 56 نفسه , الذي كتب وسط الصّعوبات . وأخيراً , سننظر باختصار الى مزمور 34 , الذي كتب عقب نفس الاحداث , ولكن بحكمة بعد إنتهاء الحدث ! لقد ذكر في عنوان مزمور 56 : " .. عِنْدَمَا أَخَذَهُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ فِي جَتٍَّ .. " وأما عنوان مزمور 34 فيقول : " لِدَاوُدَ عِنْدَمَا غَيَّرَ عَقْلَهُ قُدَّامَ أَبِيمَالِكَ فَطَرَدَهُ فَانْطَلَقَ .. " يرتبط هذان المزموران الى الحادثة المذكورة في 1 صم 21 .

 

خلفيّة لحياة داوود

دعونا نتأمّل ببعض الاحداث المهمّة في حياة داوود ومدى تأثيرها القوي على حياته . لقد كان داوود راعي غنم عادي لا تبشّر هيئته بأمور عظيمة – على الاقل بعيون العالم . ولكن في أحد الايام مسحه صموئيل , كاهن ونبي الله , ملكاً على إسرائيل . بعدها , وعلى الرّغم من خوف كل إسرائيل العارم , ذهب داوود وحده ضد جليات الفلسطيني الضّخم , وبإيمانه بالرّب , قهر جليات , وأصبح بين ليلة وضحاها بطلاً قوميّاً !! هناك رقص ودفوف وهتافات عظيمة !! بعدها تحوّل داوود حالاً الى خادم شاؤول الشّخصي , ولم يمر وقتاً كبيراً حتى تزوّج من إبنته ! لقد مرّ كل شيء بصورة رائعة , كما قد وعده الله , أليس كذلك ؟ لا شك أنّ داوود تذكّر كلمات صموئيل النّبي وفكّر أنّه سيملك قريباً جدّاً .. ولكن في أحد الايام بينما كان داوود مسترخياً , يلعب على قيثارته للملك شاؤول , قام الملك بعمل أمرٍ غير عادي : أمراً كان سيقلب حياة داوود رأساً على عقب !! كما نرى , فإن الامور هنا دائمة التغيّر وأتت على داوود بشكل حربة ! الغيرة التي نمت في قلب الملك شاؤول دفعته الى محاولة قتل داوود . ظنّ شاؤول أن باستطاعته فعل ذلك بتثبيت داوود الى الحائط برمحه ! ومن هذه اللحظة تغيّرت حياة داوود . كل شيء تغيّر ! كل ما إستطاع فعله هو الهرب والاختباء . إختفت كل الاعياد العظيمة , الاصدقاء والدّعم . سكن لفترة بالمغائر والبريّة . ولكن تدهور الوضع الى درجة لم يعد يستطيع معها البقاء في إسرائيل خوفاً على حياته . ومن هنا تبدأ قصّتنا !!

 

داوود وسيل لُعابِه

" وَقَامَ دَاوُدُ وَهَرَبَ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ مِنْ أَمَامِ شَاوُلَ وَجَاءَ إِلَى أَخِيشَ مَلِكِ جَتَّ. فَقَالَ عَبِيدُ أَخِيشَ لَهُ: "أَلَيْسَ هَذَا دَاوُدَ مَلِكَ ٱلأَرْضِ؟ أَلَيْسَ لِهَذَا كُنَّ يُغَنِّينَ فِي ٱلرَّقْصِ قَائِلاَتٍ: ضَرَبَ شَاوُلُ أُلُوفَهُ وَدَاوُدُ رَبَوَاتِهِ؟". فَوَضَعَ دَاوُدُ هَذَا ٱلْكَلاَمَ فِي قَلْبِهِ وَخَافَ جِدّاً مِنْ أَخِيشَ مَلِكِ جَتَّ. فَغَيَّرَ عَقْلَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ, وَتَظَاهَرَ بِالْجُنُونِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ, وَأَخَذَ يُخَرْبِشُ عَلَى مَصَارِيعِ ٱلْبَابِ وَيُسِيلُ رِيقَهُ عَلَى لِحْيَتِهِ. فَقَالَ أَخِيشُ لِعَبِيدِهِ: "هُوَذَا تَرَوْنَ ٱلرَّجُلَ مَجْنُوناً, فَلِمَاذَا تَأْتُونَ بِهِ إِلَيَّ؟  " (1صم21 :10 -14 )

من الصّعب تخيّل وضع أسوأ من هذا !! هوّذا داوود , مدفوعاً بخوف من شاؤول , يهرب الى جث بأرض الفلسطينيين , حاملاً سيف جلياث القديم !! جث هي مدينة جلياث , ولذلك ليس هي المكان المناسب لتباهى داوود بشعبيّته في هذا المضمار !! ولكن ماذا يستطيع أن يعمل ؟ مع هذا الايمان المحطّم !! على الرّغم من أنّه قبل فصل أو أكثر داوود نفسه يتحدّث ليوناثان , إبن شاؤول , قائلاً له " وَلَكِنْ حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ إِنَّهُ كَخَطْوَةٍ بَيْنِي وَبَيْنَ ٱلْمَوْتِ ".  (1صم20 :3 ) . يبدو وكأنّه قد فقد إيمانه .يشبه هذا إبراهيم الذي وعده الله بأن نسله سيرث أرض كنعان , وبعد خمسة أعداد فقط يكذب إبراهيم على المصريين بالنّسبة لسارة زوجته ,كي لا يقتلوه : " وَظَهَرَ ٱلرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: "لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ ٱلأَرْضَ". فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ ٱلَّذِي ظَهَرَ لَهُ. ثُمَّ نَقَلَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى ٱلْجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيْتِ إِيلٍ وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ. وَلَهُ بَيْتُ إِيلَ مِنَ ٱلْمَغْرِبِ وَعَايُ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ. فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ وَدَعَا بِاسْمِ ٱلرَّبِّ. ثُمَّ ٱرْتَحَلَ أَبْرَامُ ٱرْتِحَالاً مُتَوَالِياً نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ. وَحَدَثَ جُوعٌ فِي ٱلأَرْضِ فَانْحَدَرَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ لأَنَّ ٱلْجُوعَ فِي ٱلأَرْضِ كَانَ شَدِيداً. وَحَدَثَ لَمَّا قَرُبَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَ أَنَّهُ قَالَ لِسَارَايَ ٱمْرَأَتِهِ: "إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ ٱمْرَأَةٌ حَسَنَةُ ٱلْمَنْظَرِ. فَيَكُونُ إِذَا رَآكِ ٱلْمِصْرِيُّونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هَذِهِ ٱمْرَأَتُهُ. فَيَقْتُلُونَنِي وَيَسْتَبْقُونَكِ" ( أنظر تك 12 : 7 – 12 ) . لسوء الحظ , هذا يشبه طبيعتنا السّاقطة بتناسينا لوعود الله بوسط الحوادث المرعبة !!  ووعود الله التي تبدو بعيدة جدّاً عن التحقّق !؟ ماذا بقي له ؟ حسناً , ليس كثيراً بالفعل ؟ لانّه بسبب خوفه الحالي من ملك جث , هبط الى الحضيض وأخذ بإسالة لعابه على لحيته يائساً , حتى لا يتعرّفوا عليه !لا يجوز إعتبار خداع داوود ذكاءاً . هذا تصرّف رجل تُرِكَ فقط لمصادره الهزيله مستبعد كل مصادر النّعمة . الغش لا ينفع ولا ينجّي , بل الله هو المخلّص !!

 هذا هو داوود " الرّجل الّذي قلبه كقلب الله " في الحضيض !!

 

المزمور في وسط الشّك

دعونا لا نخدع أنفسنا : هناك خطر على كل واحد فينا , ولا أحسبه ضئيلاً , بأن يلجئ لمثل تصرّف داوود حتّى يخرج نفسه من مأزق يائس . على كل حال , نرى في هذا المزمور مساعده وعزاء في وسط الضّيق الذي نمر به حيث نرى في وسط عدم الامان الذي ميّز حياة داوود , يكتب هذا المزمور .

" اِرْحَمْنِي يَا ٱللهُ لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ يَتَهَمَّمُنِي وَٱلْيَوْمَ كُلَّهُ مُحَارِباً يُضَايِقُنِي. تَهَمَّمَنِي أَعْدَائِي ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ لأَنَّ كَثِيرِينَ يُقَاوِمُونَنِي بِكِبْرِيَاءٍ " (مز56 :1 -2 )  . ألم تمسك بك موجة في البحر , وبينما انت تحارب لالتقاط أنفاسك , باغتتك التي بعدها دون تواني ؟ هذا هو المكتوب في هذا المزمور : فنرى أمواج الخوف والايمان تتجاذب داوود !! في الاعداد 1 و 2 نرى الموجة الاولى . عندما أخذ بالتأمّل في وضعه وبالنّاس الّذين حوله الذين يريدون أخذ حياته , غلبته مخاوفه وغمامة من الشك أحاطت رأسه .

" فِي يَوْمِ خَوْفِي أَنَا عَلَيْكَ أَتَّكِلُ . اَللهُ أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ. عَلَى ٱللهِ تَوَكَّلْتُ فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُهُ بِي ٱلْبَشَرُ!  " (مز56 :3 -4 )  

كما تخرج الى الهواء لالتقاط أنفاسك بعد أن ضربتك الموجة , يتذكّر داوود ثانيةً الرّب ونسبته له وبكونه ملجأه . وبهذا التوجّه , إختلج الايمان في قلبه . لاحظ أيضاً وجود الايمان والخوف سويّة في العدد السّابق . هذا هو الوضع بشكل عام في الحياة الحقيقيّة . كل شيء متعلّق أين تنظر .

" الْيَوْمَ كُلَّهُ يُحَرِّفُونَ كَلاَمِي. عَلَيَّ كُلُّ أَفْكَارِهِمْ بِالشَّرِّ. يَجْتَمِعُونَ يَخْتَفُونَ يُلاَحِظُونَ خَطَواتِي عِنْدَمَا تَرَصَّدُوا نَفْسِي. عَلَى إِثْمِهِمْ جَازِهِمْ. بِغَضَبٍ أَخْضِعِ ٱلشُّعُوبَ يَا ٱللهُ "  (مز56 :5 -7 ) .

" ماذا يصنع به البشر !"  هذا هو إعلان داوود الملك في آخر عدد 4 . ولكن في الاعداد 5 – 7 نرى موجة الشك التّالية تضرب رأسه عندما ركّز على " ٱلأَشْيَاءِ ٱلَّتِي تُرَى " . الشيء الّذي طُلِبَ من المؤمنين أن لا يفعلوه : " وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى ٱلأَشْيَاءِ ٱلَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى ٱلَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ ٱلَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا ٱلَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ.

 (2كو4 :18 ) . قد لا يلاحقك الان ملكاً مجنوناً يريد القضاء عليك بحربته , ولكن هل لديك بعض المخاوف أو القلق بسبب الظّروف المحيطة بك ؟ إذا كان جوابك بالايجاب , أكمل القراءة وانظر للاكتشاف الّذي إختبره داوود في وقت المحنه .

" تَيَهَانِي رَاقَبْتَ. ٱجْعَلْ أَنْتَ دُمُوعِي فِي زِقِّكَ. أَمَا هِيَ فِي سِفْرِكَ؟ حِينَئِذٍ تَرْتَدُّ أَعْدَائِي إِلَى ٱلْوَرَاءِ فِي يَوْمٍ أَدْعُوكَ فِيهِ. هَذَا قَدْ عَلِمْتُهُ لأَنَّ ٱللهَ لِي.  (مز56 :8 -9 ) 

في وسط الشك , في وسط عدم اليقين , أحضر داوود نفسه الى المكان الّذي إستطاع القول فيه : " هَذَا قَدْ عَلِمْتُهُ لأَنَّ ٱللهَ لِي " . قد يكون هناك الاف الامور التي لا يعرفها داوود . وإذا سألته كيف سيخرج من هذا المأزق الحالي , سيرد عليك قائلاً : " أنا لا أعلم ! " . وإذا سألته كيف ومتى سيصبح ملكاً , سيجيبك قائلاً : " أنا لا أعلم " . "  ولكن هذا قد علمته " , سيجيب داوود بحزم , " هَذَا قَدْ عَلِمْتُهُ لأَنَّ ٱللهَ لِي – وإذا كان الله لي , هو قادر على عمل كل شيء , وهذا كل ما علي معرفته ! "

 

هذا هو إذاً السؤال القاطع . هل تستطيع القول ان الله لك هنا والان ؟ لا بد أن يكون جوابك بالايجاب , إذا كنت مؤمن مولود ثانيةً , لانّ هذه هي الحقيقة , إذا شعرت بذلك أم لا . قد نشك أحياناً كداوود , بسبب أمور تحدث وظروف خارجية تحيط بنا . أحياناً قد يكون السبب أموراً داخليّة . أحياناً نسأل : " كيف يمكن أن يبقى الرب لي مع مثل هذه الافكار والشهوات المترصدة داخلي ؟ " . إنّ ثقة المؤمن موجوده في مكان آخر . إنها غير موجوده في الظروف المحيطة بك . إنّها غير موجوده كذلك عندما تنظر الى نفسك . قال أحدهم : " أنظر الى العالم وستتوتّر . أنظر الى داخلك ستُحبَط , ولكن أنظر الى المسيح , عندها لا بد أن تستريح " . هل تستطيع القول ان الله لك هنا والان ؟ لا بد أن يكون جوابك بالايجاب. هل لك يقين بهذا الامر ؟ وليس فقط في رأسك , بل أنت قادر على التأكّد من هذا حتى عندما يبدو أن ذلك غير صحيح  ( بسبب الظروف الخارجيّة ) ؟ لقد كان جواب داوود واضحاً وقاطعاً : " هَذَا قَدْ عَلِمْتُهُ لأَنَّ ٱللهَ لِي – وأنا سأثق بهذا ! " , أرجو أن تقدر أنت القول نفس الشيء لانّ هذه نقطة التحوّل في المزمور وفي هذه الفترة من حياة داوود الفار !

" اَللهُ أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ. ٱلرَّبُّ أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ. عَلَى ٱللهِ تَوَكَّلْتُ فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُهُ بِي ٱلإِنْسَانُ؟ اَللهُمَّ عَلَيَّ نُذُورُكَ. أُوفِي ذَبَائِحَ شُكْرٍ لَكَ. لأَنَّكَ نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ ٱلْمَوْتِ. نَعَمْ وَرِجْلَيَّ مِنَ ٱلزَّلَقِ لِكَيْ أَسِيرَ قُدَّامَ ٱللهِ فِي نُورِ ٱلأَحْيَاءِ " (مز56 :10 -13 )

أحد أجمل المقاطع المذكورة في كتاب " سياحة المسيحي " ليوحنا بنيان هو ذلك المتعلّق بالطّريق التي أصبحت

 صعبة للمؤمن والرّاجي وقررا أخذ طريقاً أسهل دعوها : "الطّريق الجانبي " عندما سقط الليل ضاعا في الطّريق السّهل وناموا في يساتين قلعة الشك . كانت هذه القلعة ملكاً لجبّار يدعى " اليأس " . وجدهم هذا الجبار واقتادهم الى السّجن , وهناك قضيا أربعة أيّام كادوا أن ييأسوا . عندما قاربوا على فقدان أي امل في النّجاة , متوقّعين الموت في أي لحظة , قال المؤمن للرّاجي فجاة : " كم أنا إنسان غبي أن أرقد هكذا في هذا الجب الكريه بينما في إمكاني أن أنطلق الى الحريّة , إنّ لدي مفتاحاً يسمّى الوعد أستطيع أن أفتح به كلّ المغالق الّتي في قلعة الشّك " وهكذا تحرّروا , وهربوا من براثن الجبّار وذهبوا في طريقهم مسبّحين الله .. "

إني لعلى يقين أنّك قد فهمت القصّة ولا أودّ تحدّي ذكائك . ولكن أقول أنّ هذا هو المكان الّذي موجود به داوود في الاعداد 10 –13 , كما رأى ثانية وعود الله , وعرف بالحقيقة أنّ " الله له " .. يا لها من نتيجة مباركة فائضة بالشّكر !! 

لم يعد هناك لداوود مكاناً أوطأ من هذا لكي ينزل إليه ! مرّة أخرى تذكّر كلمة الله . مواعيد الله . أمانة الله . لا محاججة فيما بعد طلباً لتدخّل من الله !  على العكس , آن الاوان كي يُرجِــــع داوود أمراً مهماًّ لله . إنّه من بعض الامور القليله التي نستطيع أن نعطيها نحن لله وهو يريدها منّا حقّاً – ذبائح " الشّكر " ! وانتبه أن داوود وصل الى هذه النّقطة في وسط ضيقاته . إنّه من السّهل الترنّم في تلك الايام الجميلة حيث كل شيء يسير حسناً , ولكن هنا هي ذبائح حمد في الليالي – مؤسسه على أكثر من مجرّد الايمان والثّقة بشخص الله . ولكن هذا يكفي . هذه الذّبائح مقبوله من جهّة الله .

 

مزمور 34 – ذوقوا وانظروا !

كتب هذا المزمور في نفس المرحلة من حياة داوود , ولكن بعد أن خلّصه الله من يد ملك جث . يا له من مزمور مبارك !

" طَلَبْتُ إِلَى ٱلرَّبِّ فَاسْتَجَابَ لِي وَمِنْ كُلِّ مَخَاوِفِي أَنْقَذَنِي... هَذَا ٱلْمِسْكِينُ صَرَخَ وَٱلرَّبُّ ٱسْتَمَعَهُ وَمِنْ كُلِّ ضِيقَاتِهِ خَلَّصَهُ . مَلاَكُ ٱلرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ وَيُنَجِّيهِمْ . ذُوقُوا وَٱنْظُرُوا مَا أَطْيَبَ ٱلرَّبَّ! طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ " (مز34 :4 -8 ) .

إننا نحتاج دائماً أن نتذكّر , كما شهد هنا داوود , أن الامور قد تسوء في هذه الحياة , ولكنها مع الله أيضاً ستتحسّن للافضل . في وسط كل " هذه المشاكل " صرخ الى الله فسمع له وخلّصه ! يا له من فكر رائع ! شهادة داوود لكل واحد فينا الان " ذُوقُوا وَٱنْظُرُوا مَا أَطْيَبَ ٱلرَّبَّ! " لنضع في أذهاننا أن تذوّق حلاوة الرّب يأتي من خلال بعض الاختبارات الطّويلة والصّعبة والمستمرّة , كما إختبر داوود هنا ! عندها فقط نستطيع التحقّق من تذوّقنا لحلاوة الرّب !

لو فرضنا وجود كبّاية كبيرة من البيرة المثلّجة . تستطيع فحصها ووصف جمالها . تستطيع ان تخبر كل أصدقائك أنّك تملك كبّاية كبيرة جدّاً من البيرة . أنظروا إليها ! تحسّسوها ! ومتّعوا الطّرف بها .. مهما فعلت فلن يكون وصفك حقيقيّاً وواقعيّاً حتى تذوق طعمها وتعرف بالفعل كم هي طيّبة !! يخبرنا هنا داوود أن تذوّق الله هو ضروري جدّاً . يجب علينا أن نذوق حلاوة الرّب . من المهم جدّاً أن ندرس الكلمة ونتعلّم عن شخص الله , ولكن ثق أن الله يريد تعليمك عمليّاً ما تلقّنته من نظريّات !! يجب أن يكون الله حقيقة واقعة من خلال شعبه .

ولكن دعنا أيضاً لا ننسى أحد أروع الوعود الموجودة في هذا المزمور :

" كَثِيرَةٌ هِيَ بَلاَيَا ٱلصِّدِّيقِ وَمِنْ جَمِيعِهَا يُنَجِّيهِ ٱلرَّبُّ " (مز34 :19 )

 

الخلاصة

 دعونا لا نظن أبداً أن التجارب الاوقات الصّعبة محفوظة فقط للمتمرّدين على الله أو الخارجين عن إرادته . فكما وجد إبراهيم وإسحاق نفسيهما في وسط المجاعة , رغم وجودهم في أرض الموعد ( تك 26 : 1) . هكذا داوود أيضاً , كما رأينا هنا , يواجه صعوبة قصوى والتي ليست من عمل يديه . ومع ذلك , وفي وسط الشكوك , إستطاع داوود أن يقول : " هَذَا قَدْ عَلِمْتُهُ لأَنَّ ٱللهَ لِي " ! لقد كانت هذه النّقطة المحوريّة في حياته بينما كان يتخبّط بين الخوف والايمان . لقد غيّرت كل مفاهيم داوود . عزيزي المؤمن : الله لك ! قد لا يعمل الله بالسّرعة التي نحن نتوقّع منه , ولكن ممّا لا شكّ فيه : أنّ الله طيّب .

هل تستطيع أن تقول الان " الله لي " ؟ أرجو ذلك . آمن بهذا ثانيةً , ودع ذبائح الحمد تصعد الى عرش الله مرّة أخرى !

 

اَلآنَ عَرَفْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ مُخَلِّصُ مَسِيحِهِ

يَسْتَجِيبُهُ  مِنْ   سَمَاءِ           قُدْسِهِ

بِجَبَرُوتِ      خَلاَصِ           يَمِينِهِ

هَؤُلاَءِ بِالْمَرْكَبَاتِ وَهَؤُلاَءِ     بِالْخَيْلِ

أَمَّا نَحْنُ فَاسْمَ   ٱلرَّبِّ  إِلَهِنَا   نَذْكُرُ

هُمْ             جَثُوا        وَسَقَطُوا

أَمَّا  نَحْنُ         فَقُمْنَا      وَٱنْتَصَبْنَا

(مز20 :6 -8 )