كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



الإحياء , الولادة الجديدة , التّجديد , الخليقة الجديدة

لقد إعترف نيقوديمس بالرب يسوع المسيح , كمعلّم آتياً من الرب , ( يو 3 : 2 ) لذا كان عليه التّهيّؤ للدّرس الأوّل هو " يجب أن تولد ثانيةً " . إنّ كلمة " ثانيةً " لا تشير الى مجرّد ولادة أُخرى , ولكنّها لنوع آخر من الولادة . وهي لا تعني أيضاً مجرّد إعادة  بل مصدر مختلف – " إن لم تولد من فوق ( المشوهد : من الأوّل , من جديد ) " ( يو 3 : 7 ) . الولادة الطّبيعيّة , للأهل ألأرضيّن , ليست ذات جدوى أو إعتبار في الحسابات الإلهيّة أو الرّوحيّة  " المولود من الجسد جسد هو والمولد من الرّوح هو روح " , عدد 6 إذا أردنا الدّخول أو رؤية ملكوت الله فمن الضّروري حُدوث ولادة جديدة . هذا الملكوت هو مجال حكم الله , ليس فقط حيث يُمارس سُلْطَتَهُ بل معترف بسيادته المطلقة فيه . لا يوجد , في الحاضر , لذلك الملكوت أيّ شيء مع الولادة الأرضيّة أو الطّبيعيّة , ولذلك الدّخول إليه ليس بإعادة الولادة الطّبيعيّة . التّعبير  " من فوق " يشير إلى مصدر مختلف , وبالتّالي , طبيعة مختلفة . لدخول ذلك الملكوت , على الإنسان أن يولد من " الماء والرّوح " , والّتي كانت معروفة من حزقيال 36 . لا يُشير الماء هنا إلى العمّاد المسيحي , لأنّه لم يكن معروفاً , حتّى إلى ما بعد قيامة الرب يسوع المسيح . مهما يكن , فهذا أمر من المفترض أن يعرفه نيقوديمس جيّداً فنبوّة حزقيال 36 , كانت معروفة لديه جيّداً , وكان بمقدوره أن يلتقط الحقائق من هناك ( أنظر يوحنا 3 : 10 ) . الولادة الجديدة ضروريّة للخلاص " .. إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله " , " ..إن كان أحد لا يولد من الماء والرّوح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله " , " لا تتعجّب أنّي قلت لك ينبغي أن تولدوا من فوق" ( يو 3 : 3, 5 , 7) . بكون نيقوديموس معلّم لليهود , فمن الأكيد أنّه قد إطّلع على ( حز 36 : 25 , 26 ) : " وأرُشُّ عليكم ماءً طاهراً فتطهرون من كل نجاستكم ... وأجعل روحاً جديدةً في داخلكم .. " وهكذا تمّ عرض الأوجه السّلبيّة والإيجابيّة للموضوع : الماء يُزيل كل ما ليس له علاقة بملكوت الله , والرّوح يُعطِي القوّة اللازمة لجعل الشّخص أحداً من رعايا الملكوت .

الولادة الجديدة ليست إعادة للولادة الأخرى أو الطّبيعيّة , إنّها ليست " .. من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل , بل من الله " ( يو 1 : 13 ) . إنّها ليست من دم ٍ : ولذلك هي ليست بالولادة الطّبيعيّة , إنّها ليست من مشيئة جسد : لذلك لا يستطيع أحد أن يعطي نفسه هذه الحياة الجديدة , إنّها ليست من مشيئة إنسان : لا يستطيع , في الحقيقة , أيّ إنسان آخر أن يُعطيها له , ولكنّها من الله , ذات مصدر إلهي , وهي عطيّة الله المجّانيّة . فهبة الله هي حياة أبديّة بالمسيح يسوع ربّنا وهذه الحياة في إبنهِ ( رو 6 : 23 , 1 يو 5 : 11 ) . يجب الحذر جيّداً عند المقارنة بين الطّبيعة البشريّة والعمليّات الإلهيّة , والّلتين قد تظهران متوازيتين أحياناً , ولكن في أحياناً أُخرى , فهما متناقضتين ومختلفتين ,ويتطلّب الأمر الفطنة الرّوحية للتّمييز عند الضُّرورة . عندما " يحيي " الله إنساناً فإنّه يعطيه حياةً إلهيّة : عاملاً هذا كتجاوب لفعل الإيمان . يجعلهم الله أحياءاً بعد أن كانوا " أمواتاً بالذِّنوب والخطايا " . لقد كانوا في حالتهم غير المتجدّدة . لم يتجاوبوا مع دعوة الله المتكرّرة . ولكن عندما يُطيع المرء دعوة الله ويقبلها , مقترباً إلى الله , يكتشف أنّ الله إقترب , إليه أكثر , والهوّة الفاصلة تتحطّم ( ولا يتم جسرها ) . عندما نعالج هذاا لموضوع بالمنطق البشري , يثير نقاشاً , قد يبدو وكأنّ لا جواب له كالإدّعاء : إنْ كان ما تقوله صحيحاً , بأنّ الإنسان ميّت روحيّاًَ ما هي إذاً فائدة إتّهامه بأيّ شيء ؟  لكن لينظر القارئ في حزقيال 37 , عندها سوف يجد الحل : " .. أتحيا هذه العظام ؟ .. قل لها أيّتها العظام اليابسة : إسمعي كلمة الرّب " يا له من أمرٍ غير منطقي أن تتكلّم مع عظام ميّتة ويابسة جدّاً , داعياً إيّاها للسّمع وتتوقّع منها الحياة ولكن هذا هو الّذي حصل . وبإعتراف الجّميع ,الإنسان " ميّت بالذّنوب والخطايا " ( أف 2 : 1 ) . ولكن يُبشَّر بالإنجيل لمثل أُولئك الأموات , بدعوتهم للإيمان بالرب يسوع المسيح , فبعملهم هذا فالوعد أكيد أنّهم سوف " يخلصوا " . إنّ المنطق البشري يقود الإنسان عادةً إلى مستنقع الفوضى والهرطقه . من وجهة نظر واحدة فإنّ الخاطيء ميّت روحيّاً , ومن جهّة أُخرى فإنّ لديه ضميراً , فهو مخلوق مسؤول , وأخلاقيّاً قادر على التّجاوب مع رسالة الإنجيل  وبالرّجوع إلى هذه المسؤوليّة سوف يحدّد مصيره الأبديْ .

المشكلة الرّئيسيّة مع الإنسان موجودة في مشيئته الشِرّيرة " ولا تريدون أن تأتوا إليّ ليكون لكم حياة "  ( يو 5 : 40 ) . يتعقّب بولس أثرَ هذا الموضوع من بداياته الأولى , في رسالته العظيمة لأهل أفسس , قائلاً : " .. من أجل محبّته الكثيرة الّتي أحبّنا بها " ( أف 2 : 4 ) .هذه المحبّة هي ينبوع كل شيء , وذلك عندما جرى نهر نعمة الله لليهود والأمم بكل ملء غناه , ناقضاً الحائط المتوسّط بينهم , مشكّلاً أولئك المؤمنين إلى جسد واحد متناغم , والّذي يسوع رأسه , الرّوح القدس قوّتهُ  والرّسل والأنبياء هم مؤسّسي بيت الله .

لنلاحظ الآية التّالية بحذرٍ : " ..أحيانا مع المسيح .." ( أف 2 : 5 ) . هذا هو التّضمين : لقد كنّا أموات بالذّنوب والخطايا , الجوانب السلبيّة والإيجابيّة لطبيعتنا موضوعة أمام الله . ولكن الرب يسوع المسيح قد مات بسبب هذه الذنوب والخطايا , ولكنّه فعل ذلك بالنّيابة والبدل لأنّه لم يكن به خطيّة . لقد جاء الى حيث نحن , وعندما أحياه الله أحيانا هو أيضاً : وعندما أقامه الله أقامنا المسيح أيضاً , وهكذا , حتّى نكون فيه مجلسين بالسّماويّات . لذلك نزل الرب إلى الأسافل حتى يرفعنا إلى القمّة . يا للرّوعة !

لنلاحظ أنّ هذا الحق كتِبَ إلى أهل أفسس الّذين كانوا سابقاً عبدة إلهة ُ, الّذين زعموا أنّها نزلت من السّماء ( أع 19 : 35 ) . أمّا الآن فإنّ إهتماماتهم قد تبدّلت وتمركزت في الواحد الّذي هو " ..فوق جميع السّموات .. " ( أف 4 : 10 ) . هوذا الكل قد صار جديداً : فبدل أن يضعوا أعينهم في الأرضيّات رفعوها إلى السّمويّات . وبدل إهتمامهم بالأصنام الميّتة , أُسِروا بمحبّة الله الحي .الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً ( 2 كو 5 : 17 ) .

لننتبه أكثر لعمليّات الله الّتي أخذت مكاناً ما ندعوهُ الأزل ( الماضي الأبدي ) , وتحقيقها في الوقت الّذي ندعوه المستقبل الأبدي , لأنّ الوقت عند الله كلّه " حاضر " . ولكن ليلائم نفسه لعقولنا المحدودة , إستعمل الحالات الثّلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل ليمكّننا من الفهم الأفضل للتحرّكات الإلهيّة من نحونا.

تعتبر رسالة أفسس قمّة ألإعلانات الإلهيّة في الكتاب . لا يوجد حق في أي مكان آخر أسمى من المذكور في الرّسالة المقدّسة . على المستوى الافقي , فإنّها تمتد بين الطّرفين والّذي إعتدنا تسميتهم : الماضي والمستقبل .على المستوى العمودي , فقصد الله الأبدي إقتضى بأخذنا من حضيض الفساد ورفعنا الى أعلى مرتفعات المجد . تحدّث عنوان هذا المقال عن أربعة أمور :

1) ألإحياء .

يشير بولس الى هذا في ( أف 2 : 1 ) , مع الفقرة الموازية لها من ( كو 2 : 13)  والتي يجب قرائتهما سويّة . لقد أتى الرب يسوع بالنّعمة الرّائعة , إلى حيث الخطاة , من أجل إخراج الخاطيء الذي آمن من حالة الخطيّة الّتي هو فيها إلى حالة مقاصد المجد الإلهي. لقد مات الرب بسبب الذّنوب والخطايا , ليس خطاياه هو , ولكن نيابيّاً , ولذلك فعندما أحياه الله , أحيانا الرب بدوره , بحسب مقاصده الأبديّة . من غير الله يستطيع أن يحيي الميّت ؟ ( يو 5 : 12 ؛ 6 : 63 ؛ رو 4 : 17 ؛ 8 : 11 ؛ 1 كو 15 : 45 ؛ 1 تيم 6 : 15 ) .

2)الولادة الجديدة .

   ما هي سوى طريقة تعبير أُخرى لنفس الإختبار " كالإحياء " والّتي تعني بكل بساطة :  " جعله حيّاً " . لقد ولد الفرد بحالة عزلة عن الله : ميّت بالذّنوب والخطايا : وارثاً ذنب آدم بكونه تابعاً للجنس البشري السّاقط . ولكن الآن تمّ ملائمته لقصد الله الأبدي , ومدركاً لإيمانه بالمسيح , ينتقل الفرد من الموت إلى الحياة , مولود ثانيةً ( يو 1: 13 ؛ 3 : 3 ؛ 1 يو 2 : 29 ؛ 3 : 9 ؛ 4 : 7 ؛ 5 : 1 , 4 , 18 ) .

3) التّجديد

هذا مذكور في ( تيطس 3 : 5 ) هذا " الغسل " الّذي ذُكِرَ هنا هو الغسل الأوّلي الّذي لا يتكرّر ثانيةً فهو غسل التّجديد . التّجديد لا يمكن إعادته مرّة أُخرى كما هو الحال مع الولادة الجديدة . هذا يعني أنّ حالة جديدة تقدّم هنا , " بدء " جديد . نجد نفس الكلمة مرّة واحدة في ( مت 19 : 28 ) , والّتي تعود للحالة الجديدة لأُمور ستحدث في المستقبل , بالحكم الألفي . " التّجديد " المشار إليه في تيطس هو عمل مستمر الى نهاية رحلة العمر .

4) خليقة جديدة

ذكر هذا في ( 2 كو 5 : 17 ) بالنّقيض مع " الأُمور العتيقة " الّتي مضت . " الأمور العتيقة " هي إتّكالنا السّابق " على الجسد " , والمذكورة في الجزء الأول من فيلبي 3 . الخليقة الجديدة هي حالة المؤمن بالرب يسوع المسيح الّذي إكتشف إختباريّاً , أنّ إهتماماته , آماله , توقُّعاته , وكل شيء أصبح جديداً , " هوذا الكل قد صار جديداً " "لأنّه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة " ( غل 6 : 15 ) . دعنا نسير بحسب هذا القانون .

إنّه لا يستطيع أن يرجع الفضل لهذه التّغييرات لنفسه أو لمساعيه الشّخصيّة . الكل هو من " الله " ( 2 كو 5 : 18 ) ويجب أن نقول : " ليس لنا يا رب ليس لنا لإسمك أعْطِ مجداً من اجل رحمتك من أجل امانتك " ( مز 115 : 1 )  , " الله الّذي هو غنيٌّ في الرّحمة .. قد خلق الإثنين في نفسه إنساناً واحداً جديداً " ( أف 2 : 4 , 15 ) , " ..حسب مسرّة مشيئته لمدح مجد نعمته .." ( أف 1 : 5 , 6 )  . يأتي هذا الإنسان القديم مكان الجديد , وبينما لم يحترم الإنسان خالقه في الخليقة الأولى , يأتي الإنسان الجديد ليمجّد مخلّصه الرب يسوع المسيح .