كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



يسوع في حياة يوسف – العبد المتألّم

يعتبر يوسف أكثر الامثلة أمانة لشخص الرب يسوع في العهد القديم . صُوِّر المسيّا في الفكر اليهودي كإبن داود , ولكن أيضاً كإبن يوسف . سيملك على عرش داوود محضراً المجد لاسرائيل والسّلام للعالم , ولكن أيضاً يصوّرونه كإبن ليوسف : المتألّم بأيدي إخوته قبل تمجيده . لذلك دعونا نتأمّل في إحدى أكثر الصّور في حياة يوسف التي تمّت في المسيّا الحقيقي : يسوع المسي 

أعظم من إخوته

" وَحَلُمَ يُوسُفُ حُلْماً وَأَخْبَرَ إِخْوَتَهُ فَازْدَادُوا أَيْضاً بُغْضاً لَهُ. فَقَالَ لَهُمُ: "اسْمَعُوا هَذَا ٱلْحُلْمَ ٱلَّذِي حَلُمْتُ. فَهَا نَحْنُ حَازِمُونَ حُزَماً فِي ٱلْحَقْلِ وَإِذَا حُزْمَتِي قَامَتْ وَٱنْتَصَبَتْ فَاحْتَاطَتْ حُزَمُكُمْ وَسَجَدَتْ لِحُزْمَتِي". فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: "أَلَعَلَّكَ تَمْلِكُ عَلَيْنَا مُلْكاً أَمْ تَتَسَلَّطُ عَلَيْنَا تَسَلُّطاً؟" وَٱزْدَادُوا أَيْضاً بُغْضاً لَهُ مِنْ أَجْلِ أَحْلاَمِهِ وَمِنْ أَجْلِ كَلاَمِهِ" (تك37 :5 -8 ) .

إعتبر يوسف متميّزاً , حتى في جيل صغير . يخبرنا الكتاب في تك 37 : 3 , بمحبّة يعقوب الخاصة لابنه يوسف وبكونه المفضّل عى كل إخوته . لقد كان واضحاً من أحلامه بأنّه سيسود يوماً على إخوته , ولذلك أبغضوه ... لقد واجه الرّب يسوع نفس ردّة الفعل من أهل بلدته وأيضاً من إخوته الفعليّين : فبعد أن حاول التعليم والخدمة في بلده , قوبل بهذا الرّد : " أَلَيْسَ هَذَا ٱبْنَ ٱلنَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟ أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا؟ فَمِنْ أَيْنَ لِهَذَا هَذِهِ كُلُّهَا؟ فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ"  (مت13 :55 -57 ) . بينما قوّاد الامّة دعوا يسوع بأنّ به شيطان , حتى بعض أفراد عائلته لم يعترفوا به , نقرأ في يو 7 : 5 بأن إخوته سـألوا منه آيات وعلامات أخرى : " لأَنَّ إِخْوَتَهُ أَيْضاً لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ" (يو7 :5 )  .

التآمر على قتله

"  فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ مِنْ بَعِيدٍ قَبْلَمَا ٱقْتَرَبَ إِلَيْهِمِ ٱحْتَالُوا لَهُ لِيُمِيتُوهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: "هُوَذَا هَذَا صَاحِبُ ٱلأَحْلاَمِ قَادِمٌ "  (تك37 :18 -19 ) . 

تآمر إخوة يوسف على قتله , بسبب الغيرة والحسد , وذلك لبغضهم له بسبب أحلامه التي رفعته فوقهم . لقد كرهوا أيضاً حقيقة محبّة أبيهم يعقوب المفضّلة لابنه يوسف , قادتهم غيرتهم وغضبهم الى وضع خطّة لتحطيمه . هكذا الامر أيضاً مع قادة إسرائيل الذين كرهوا الرب يسوع , لانه لم يخضع نفسه لناموسهم , ولكنه أطهر , بالاقوال والافعال تفوّقه عليهم أجمعين .

إنّ إدّعائاته بكونه من السّماء , وأنّه من إبراهيم , أو أن يكون ذاك الّذي كتب عنه موسى , واجهته ردود فعل وضغينه متأجّجة للقضاء على حياته .

" حِينَئِذٍ ٱجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ وَشُيُوخُ ٱلشَّعْبِ إِلَى دَارِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ ٱلَّذِي يُدْعَى قَيَافَا وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ" (مت26 :3 -4 ) .

أُسلم بحفنة من القطع النقديّة

فَقَالَ يَهُوذَا لإِخْوَتِهِ: "مَا ٱلْفَائِدَةُ أَنْ نَقْتُلَ أَخَانَا وَنُخْفِيَ دَمَهُ؟ تَعَالُوا فَنَبِيعَهُ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ وَلاَ تَكُنْ أَيْدِينَا عَلَيْهِ لأَنَّهُ أَخُونَا وَلَحْمُنَا". فَسَمِعَ لَهُ إِخْوَتُهُ. وَاجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ ٱلْبِئْرِ وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ. فَأَتُوا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ "  (تك37 :26 -28 ) .

لقد وصل الغضب والغيرة ذروته ببيع يوسف من أجل 20 قطعة من الفضّة , وانظروا من قاد كل هذه الخيانة : يهوذا !!( وهو نفس إسم مسلّم الرّب يسوع المسيح : يهوذا الاسخريوطي ) . لذلك ليس هذا عجباً , أنّ يسوع كيوسف , سُلِّم من أكثر المقرّبين له , ولكن هذه المرّة من أجل 30 من الفضّة :

" حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلاِثْنَيْ عَشَرَ ٱلَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا ٱلإِسْخَرْيُوطِيَّ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَقَالَ: «مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟ٱ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ. وَمِنْ ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ كَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ "  (مت26 :14 -16 ) .

لقد كان هذا تتميماً لنبوّة زكريّا العظيمة حيث ثُمّن الله نفسه بثلاثين من الفضّة : " فَقَالَ لِي ٱلرَّبُّ: [أَلْقِهَا إِلَى ٱلْفَخَّارِيِّ ٱلثَّمَنَ ٱلْكَرِيمَ ٱلَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ]. فَأَخَذْتُ ٱلثَّلاَثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا إِلَى ٱلْفَخَّارِيِّ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ "  (زك11 :13 ) .

لم يكن يوسف يفهم كل هذا , ولكن كان لله خططاً أخرى , وسيستعمل هذه الخيانة لنفي يوسف , ومن خلاله , أعطيت كل الوسائب لخلاص الامم وعائلة يوسف اليهوديّة .. لا يصعب علينا تميز صورة الرب يسوع هنا !

إتُّهِمَ زوراً ولم يصنع ذنباً

فَكَلَّمَتْهُ بِمِثْلِ هَذَا ٱلْكَلاَمِ قَائِلَةً: "دَخَلَ إِلَيَّ ٱلْعَبْدُ ٱلْعِبْرَانِيُّ ٱلَّذِي جِئْتَ بِهِ إِلَيْنَا لِيُدَاعِبَنِي. وَكَانَ لَمَّا رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ أَنَّهُ تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ". فَكَانَ لَمَّا سَمِعَ سَيِّدُهُ كَلاَمَ ٱمْرَأَتِهِ ٱلَّذِي كَلَّمَتْهُ بِهِ قَائِلَةً: "بِحَسَبِ هَذَا ٱلْكَلاَمِ صَنَعَ بِي عَبْدُكَ" أَنَّ غَضَبَهُ حَمِيَ. فَأَخَذَ يُوسُفَ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ ٱلسِّجْنِ ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي كَانَ أَسْرَى ٱلْمَلِكِ مَحْبُوسِينَ فِيهِ. وَكَانَ هُنَاكَ فِي بَيْتِ ٱلسِّجْنِ.  (تك39 :17 -20 )

بعد إنجاز الخيانة من قبل إخوة يوسف وإحضاره الى مصر , سريعاً ما وجد يوسف نفسه متّهماً بجريمة لم يرتكبها . قادته الاكاذيب والافتراءات التي إتُّهِمَ بها مباشرة الى السّجن . لم يقل سيء في الموضوع , رغم برائته .. كذلك الامر بالنّسبة للرب يسوع , حيث إتُّهِمَ بهتاناً واُفْتُرِيَ عليه بسلسلة من الاتهامات دون أي دفاع . كيوسف لم يعمل أي غلط , ولكن هذا لم يردع متّهميه : " وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةً عَلَى يَسُوعَ لِيَقْتُلُوهُ فَلَمْ يَجِدُوا لأَنَّ كَثِيرِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ زُوراً وَلَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ. ثُمَّ قَامَ قَوْمٌ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ زُوراً قَائِلِينَ: «نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنِّي أَنْقُضُ هَذَا ٱلْهَيْكَلَ ٱلْمَصْنُوعَ بِالأَيَادِي وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيَادٍٱ. وَلاَ بِهَذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ تَتَّفِقُ. فَقَامَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ فِي ٱلْوَسَطِ وَسَأَلَ يَسُوعَ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هَؤُلاَءِ عَلَيْكَ؟ٱ أَمَّا هُوَ فَكَانَ سَاكِتاً وَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ أَيْضاً: «أَأَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱلْمُبَارَكِ؟ٱ فَقَالَ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ ٱلْقُوَّةِ وَآتِياً فِي سَحَابِ ٱلسَّمَاءِٱ. فَمَزَّقَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ قَدْ سَمِعْتُمُ ٱلتَّجَادِيفَ! مَا رَأْيُكُمْ؟ٱ فَالْجَمِيعُ حَكَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَوْجِبُ ٱلْمَوْتِ.  (مر14 :55 -64 )

السّجينين رفقائه

" فَأَقَامَ رَئِيسُ ٱلشُّرَطِ يُوسُفَ عِنْدَهُمَا فَخَدَمَهُمَا. وَكَانَا أَيَّاماً فِي ٱلْحَبْسِ. وَحَلُمَا كِلاَهُمَا حُلْماً فِي لَيْلَةٍ وَٱحِدَةٍ كُلُّ وَٱحِدٍ حُلْمَهُ كُلُّ وَٱحِدٍ بِحَسَبِ تَعْبِيرِ حُلْمِهِ: سَاقِي مَلِكِ مِصْرَ وَخَبَّازُهُ ٱلْمَحْبُوسَانِ فِي بَيْتِ ٱلسِّجْنِ.  (تك40 :4 -5 ) .

لم يكن يوسف وحيداً في السّجن : إثنان من عبيد فرعون , السّاقي والخبّاز , حيث ألقي بهما في السّجن معه . قصّ كل واحد منهما ليوسف حلمه وفسره يوسف لهما . نفس هذه الصّورة موجوده عن يسوع وهو على الصّليب – سجنه – ولصّين صلبا معه : " حِينَئِذٍ صُلِبَ مَعَهُ لِصَّانِ وَاحِدٌ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَوَاحِدٌ عَنِ ٱلْيَسَارِ.

 (مت27 :38 )  . لقد كانت نهاية العبدين معروفة , بحسب تفسير الحلمين : موت للواحد , وإطلاق الاخر وإرجاعه الى مكانته السّابقة : وهذا هو أحد أكثر الامثلة صدقاً عن الخلاص على الاطلاق .

" وَكَانَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْمُذْنِبَيْنِ ٱلْمُعَلَّقَيْنِ يُجَدِّفُ عَلَيْهِ قَائِلاً: «إِنْ كُنْتَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحَ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا!ٱ فَانْتَهَرَهُ ٱلآخَرُ قَائِلاً: «أَوَلاَ أَنْتَ تَخَافُ ٱللهَ إِذْ أَنْتَ تَحْتَ هَذَا ٱلْحُكْمِ بِعَيْنِهِ؟ أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْلٍ لأَنَّنَا نَنَالُ ٱسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا وَأَمَّا هَذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئاً لَيْسَ فِي مَحَلِّهِٱ. ثُمَّ قَالَ لِيَسُوعَ: «ﭐذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَٱ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ﭐلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي ٱلْفِرْدَوْسِ " (لو23 :39 -43 ) .

كما مع يوسف , واحد من المصلوبين مع المسيح هلك ولكن الاخر وجد حياة حقيقية حيث أطلق ورُفِّع الى أعظم مكان – للجنّة !

تمجيد العبد المتألّم

" ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: "بَعْدَ مَا أَعْلَمَكَ ٱللهُ كُلَّ هَذَا لَيْسَ بَصِيرٌ وَحَكِيمٌ مِثْلَكَ. أَنْتَ تَكُونُ عَلَى بَيْتِي وَعَلَى فَمِكَ يُقَبِّلُ جَمِيعُ شَعْبِي. إِلَّا إِنَّ ٱلْكُرْسِيَّ أَكُونُ فِيهِ أَعْظَمَ مِنْكَ". ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: "انْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُكَ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ".  (تك41 :39 -41 )

لقد تحوّل يوسف من مجرم في السّجن الى ممجّد في عيني فرعون , في غضون يوم واحد . لم يكن أحد أعلى من فرعون سوى فرعون نفسه ! يا لها من صورة للرب يسوع المسيح الذي من خلال قيامته , ذهب من الصّليب راجعاً الى المجد عن يمين العظمة . قال الرب يسوع بعد القيامة : " دُفِعَ إليّ كل سلطان مما في السّماء وعلى الارض " وكما ركع المصريين أمام قدمي يوسف , هكذا العالم العتيد في يوم ما , سيركع تحت أقدام الرب يسوع . كما تظهره لنا الرسالة الى أهل فيليبي : " وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ. لِذَلِكَ رَفَّعَهُ ٱللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ ٱللهِ ٱلآبِ "   (في2 :8 -11 )  .

العروس الاممية

وَدَعَا فِرْعَوْنُ ٱسْمَ يُوسُفَ "صَفْنَاتَ فَعْنِيحَ". وَأَعْطَاهُ أَسْنَاتَ بِنْتَ فُوطِي فَارَعَ كَاهِنِ أُونَ زَوْجَةً. فَخَرَجَ يُوسُفُ عَلَى أَرْضِ مِصْرَ.  (تك41 :45 ) .

بالاضافة الى تمجيد يوسف عن يمين فرعون , أعطيت له عروساً أمميّة كزوجة . هذه صورة عن الرب يسوع المسيح , الذي بعد تمجيده , أخذ زوجة لنفسه ( الكنيسة ) من بين شعوب الامم .

سبع سنين الجّوع

وَابْتَدَأَتْ سَبْعُ سِنِي ٱلْجُوعِ تَأْتِي كَمَا قَالَ يُوسُفُ فَكَانَ جُوعٌ فِي جَمِيعِ ٱلْبُلْدَانِ. وَأَمَّا جَمِيعُ أَرْضِ مِصْرَ فَكَانَ فِيهَا خُبْزٌ.  (تك41 :54 )

من هذه النقطة , ينتقل تأمّلنا من الحاضر الى المستقبل . حالياً , ما زال الرب يسوع المسيح يتّخذ لنفسه عروساً من سعوب الامم ( الغالبية العظمى ) . ولكن الكتب تكشف أن الله قد أعدّ فترة سب سنين نهائيّة بعد إرتفاع الكنيسة , حيث سيعود ويتعامل مرّة أخرى مع أمة إسرائيل , لاحضارهم للتّوبة , والاعتراف بمسيّاهم يسوع ( أنظر دانيال 9 : 20 – 27 ) . هذا ما نراه هنا أيضاً في حياة يوسف . لق\ إستعمل الله فترة سبع سنوات من الجوع والقحط الشديد ليجبر إخوة يوسف على طلب المساعدة . 

إنّ إخوة يسوع بالجسد , اليهود , سيفعلون هذا ثانية وسوف يكون وقت عصيب جدّاً هو الذي سيدفعهم لفعل ذلك . يقول الكتاب عن تلك السنوات الضيقة السّبعة : " آهِ! لأَنَّ ذَلِكَ ٱلْيَوْمَ عَظِيمٌ وَلَيْسَ مِثْلُهُ. وَهُوَ وَقْتُ ضِيقٍ عَلَى يَعْقُوبَ وَلَكِنَّهُ سَيُخَلَّصُ مِنْهُ "  (إر30 :7 )

مصالحة يوسف مع إخوته

فَلَمْ يَسْتَطِعْ يُوسُفُ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ لَدَى جَمِيعِ ٱلْوَاقِفِينَ عِنْدَهُ فَصَرَخَ: "أَخْرِجُوا كُلَّ إِنْسَانٍ عَنِّي!" فَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ عِنْدَهُ حِينَ عَرَّفَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ بِنَفْسِهِ. فَأَطْلَقَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ. فَسَمِعَ ٱلْمِصْرِيُّونَ وَسَمِعَ بَيْتُ فِرْعَوْنَ. وَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: "أَنَا يُوسُفُ. أَحَيٌّ أَبِي بَعْدُ؟" فَلَمْ يَسْتَطِعْ إِخْوَتُهُ أَنْ يُجِيبُوهُ لأَنَّهُمُ ٱرْتَاعُوا مِنْهُ. فَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: "تَقَدَّمُوا إِلَيَّ". فَتَقَدَّمُوا. فَقَالَ: "أَنَا يُوسُفُ أَخُوكُمُ ٱلَّذِي بِعْتُمُوهُ إِلَى مِصْرَ. وَالْآنَ لاَ تَتَأَسَّفُوا وَلاَ تَغْتَاظُوا لأَنَّكُمْ بِعْتُمُونِي إِلَى هُنَا لأَنَّهُ لِاسْتِبْقَاءِ حَيَاةٍ أَرْسَلَنِيَ ٱللهُ قُدَّامَكُمْ ... ثُمَّ وَقَعَ عَلَى عُنُقِ بِنْيَامِينَ أَخِيهِ وَبَكَى. وَبَكَى بِنْيَامِينُ عَلَى عُنُقِهِ " (تك45 :1 -5 , 14 ) .

إنّ من أقوى الصّور في هذه القصّة هو المصالحة بين يوسف وإخوته الذين أسلموه . لقد ضرب المنطقة جوعاً عظيماً , وإخوة يوسف جاؤوا يطلبون المؤونة .. في رحلتهم الاولى لم يتعرّفوا على يوسف , ولكنّهم إكتشفوا حقيقته في المرّة الثّانية . لقد كان هناك بكاءاً عظيماً , ليس فقط لان الذي باعوه الى مصر ما زال حيّاً , بل أيضاً يحكم الارض كلّها . كما إخوة يوسف , هكذا اليهود لم يعرفوا الرب يسوع في مجيئه الاول , سيعرفون ويبكون كثيراً عند مجيئه الثّاني . تكلم زكريا عن ذلك اليوم قائلاً : " [وَأُفِيضُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ رُوحَ ٱلنِّعْمَةِ وَٱلتَّضَرُّعَاتِ فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ ٱلَّذِي طَعَنُوهُ وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ. فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ يَعْظُمُ ٱلنَّوْحُ فِي أُورُشَلِيمَ كَنَوْحِ هَدَدْرِمُّونَ فِي بُقْعَةِ مَجِدُّونَ. وَتَنُوحُ ٱلأَرْضُ عَشَائِرَ عَشَائِرَ عَلَى حِدَتِهَا: عَشِيرَةُ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى حِدَتِهَا وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى حِدَتِهِنَّ. عَشِيرَةُ بَيْتِ نَاثَانَ عَلَى حِدَتِهَا وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى حِدَتِهِنَّ.  (زك12 :10 -12 )

إن الذي قصده اسرائيل للشر , قصده الله للخير

" وَأَتَى إِخْوَتُهُ أَيْضاً وَوَقَعُوا أَمَامَهُ وَقَالُوا: "هَا نَحْنُ عَبِيدُكَ". فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: "لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ ٱللهِ؟ أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّاً أَمَّا ٱللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْراً لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا ٱلْيَوْمَ لِيُحْيِيَ شَعْباً كَثِيراً.  (تك50 :18 -20 ) . لقد تاب إخوة يوسف توبة حقيقية ومن الاعماق , كنتيجة لمصالحتهم مع يوسف , عن تسليمهم وخيانتهم لاخيهم . ولكن يوسف لم يمسك لهم الكرباج , بل النعمة قائلاً " أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّاً أَمَّا ٱللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْراً لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا ٱلْيَوْمَ لِيُحْيِيَ شَعْباً كَثِيراً " . يا لها من صورة حقيقية للرب يسوع المسيح !!

نعم , لقد خانه إسرائيل , وخطّطوا ليفعلوا به شرّاً . ولكن الله حوّله للخير , ليخلّص الكثيرين , وهذا ما فعله ومازال يفعله الرب يسوع في كل العالم حتى اليوم !

تأمّل أيضاً لطف يوسف نحو إخوته , ليس فقط أنّه لم يتحامل عليهم , بل أكّد لهم أنّه سيكون حافظاً لهم . ان البركات الالفيّة التي سوف تأتي على الشّعب اليهودي بعد عودتهم للرب يسوع هو تتميم لهذه الصّورة .

كتب بولس عن البركة التي سوف تأتي من هذا الشّعب بعد إعترافهم وقبولهم للرب يسوع : " فَإِنْ كَانَتْ زَلَّتُهُمْ غِنىً لِلْعَالَمِ وَنُقْصَانُهُمْ غِنىً لِلأُمَمِ فَكَمْ بِالْحَرِيِّ مِلْؤُهُمْ؟  (رو11 :12 ) , تعتبر حقّاً حياة يوسف أعظم وأشمل الامثلة عن حياة الرب يسوع في الكتاب المقدّس . منذ تسليمه بيد إخوته , تمجيده وتسلّطه على الامبراطوريّة المصرية , الى أخذه للعروس من الامم ومصالحته النهائية مع إخوته اليهود .. الكل هو لمحة من الله عن التاريخ الماضي , الحاضر وحتّى المستقبل .