كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



كيف تعرف مشيئة الله ؟

المقدمة
إن كلمة الله المكتوبة هي إعلان الله الكامل والمكتمل للإنسان. إن الله ، وعلى مدار ألفي عام، لم يعط أي حق إضافي جديد غير موجود بالكتاب المقدس الذي بين أيدينا . إن المطلوب من المؤمنين اليوم ألا يطلبوا إعلانات جديدة من الله لأنه لا مجال لمثلها في أيامنا المعاصرة. إن المطلوب هو السعي الجاد بكل أمانة لكشف وفهم أعمق لمشيئة الله المعلنه بكلمته.
إن مشيئة الله نجدها بكل ملئها في كلمة الله التي بين أيدينا، ومع ذلك غالبا ما نواجه تحديات شبه يومية تختص "بمعرفة" مشيئة الله لأمور تواجهنا. يتضمن هذا التساؤل من الأمور الصغيرة العادية (" هل من المناسب زيارة الأخ فلان اليوم؟ "، " هل يجب أن أواظب على هذه الخدمة ، رغم عدم رؤيتي لاي ثمر ؟ "، " هل يجب ان أصارح هذه الأخت بمشاعري الحقيقية ؟ " ) حتى الأمور الكبيرة والمصيرية (" أين يجب أن أسكن ؟ " ، " من هي سعيدة الحظ الي يجب أن أرتبط بها ؟ " ، " ما هي المهنة التي يجب أن أختارها ؟ ") .
قد يفيدنا أن نبدأ الحديث عن الوسائل التي يستخدمها بعض المؤمنين اليوم ليعرفوا مشيئة الله والتي ، أقل ما يقال فيها ، أنها بعيدة عن الحق المعلن بكلمة الله. كثيرا ما نسمع عن مؤمنين يصلون بحرارة للرب "مطالبين " إياه بإصرار أن "يعلن" لهم عن مشيئته (بصورة غيبية أو بحلم ) بالنسبة لموضوع معين قد سبق وأعلنه هو في كلمته بصورة صريحة أو ضمنية. فيصلي البعض بقوة ناشدين مشيئة الرب بالنسبة لموضوع إرتباطهم بفتاة على خلق ومتميزة من كل النواحي ولكنها لم تختبر الرب يسوع في حياتها وأفكارها لا تتلائم وكلمة الله ("وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن" ، 2 كو 6 : 15 ب ). يا للاسف ! بل أحيانا نسمع أن الله أرشد أولئك عكس المكتوب في كلمته (أي أن الله يناقض نفسه!).
هناك البعض الآخر الذين يتوجهون للكتاب كما الى زاوية الابراج في أي جريدة أو مجلة عادية.
فغالبا ما نسمع عن مؤمنين يستخدمون "آيات" الكتاب المقدس ، مفسرين إياها على هواهم ، لإثبات أمر قد سبق وأخذوا فيه قرار ! فليس هدفهم من التوجه لله لمعرفة مشيئته الحقيقية بل "إرغامه" على المصادقة ووضع ختمه على "قرارهم" الهام! رغم أن المؤمن في هذه الحالة يتحمل كامل السؤولية عن قراراته ولكن رحمة الله تستطيع أن تنتشله من أعماق الفشل وتخرج من الجافي حلاوة (قارن قصة نعمى وتركها لارض الخبز بيت-لحم والتجائها الى موآب وخسارتها لكل ما تملك خلال عشرة اعوام فقط وكيف ان الرب أخرج من هذه الغباوة أمراة فاضلة – راعوث الموآبية) !

الخلاص
إن أول مشيئة اعلنها الله للبشرية جمعاء هي أنه : "...يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ " (1 تيم 2: 4). إن الله لا يسره موت الخاطئ بل أن يتوب عن خطاياه ويرجع عن سبله المعوجة. فإن بدون إيمان بعمل الرب يسوع على الصليب لاجل الخاطئ لا يمكن إرضاء الله ، بغض النظر عما يفعله الإنسان لانه لا مجال للمثول امام الله إلا إذا آمن أن الرب موجود وبصورة فعالة في خليقته (وليس من بعيد !) وهو عتيد أن يدين المسكونة بعدل (عب 11: 6). فلا حاجة للسؤال عن مشيئة الله في خلاص فلان وفلان بل إن هذا الخلاص مقدم للجميع !!

الامتلاء بالروح
يحث الرسول بولس مؤمني أهل أفسس ألا يكونوا : "...أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ. وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ " (أف 5: 17، 18). ينعت الرسول المؤمن الذي لا يفهم مشيئة لله بالغباء، وذلك لأنه أخطأ الهدف الذي من أجله إنتشله الرب وحفظه حتى هذا اليوم. يعدد بولس في القرينة القريبة (أعداد 19 – 21 ) ثلاثة وسائط نستخدمها للإمتلاء من الروح القدس (ولا واحدة منها فائقة الطبيعة) : الترنيم والترتيل للرب مع الجماعة وبصورة منفردة، تقديم الشكر لله على كل شيء وخضوع المؤمنين بعضهم لبعض بمخافة الله. إن الترانيم والتراتيل التي قصدها كاتب الرسالة هنا هي النابعة عن سكنى كلمة المسيح بغنى في المؤمن (أنظر كولوسي 3: 16). ان الترنيم هو أفضل تعبير عن مدى تغلغل كلمة الله في القلب وليس هو موضوع سجع بلاغي وألحان ساحرة !!

القداسة
إن شوق كل مؤمن حقيقي هو أن يعمل مرضاة الله ومسرته. فمن الواضح أن الله لم يترك مثل هذا الموضوع غامضا أو ليقرر فيه الفكر البشري. لقد واجه أهل تسالونيكي، حديثي الإيمان، صعوبات جمة بسبب ما يواجهونه يوميا من إغراءات وفرص متكررة للإثم فقد أحاطت بهم الخطية بسهولة (عب 12: 1) . إن السلوك في رضى الله والخضوع الكامل لوصايا الرب يسوع المسيح هو السبيل الوحيد الى القداسة العملية التي يريدها لنا الله : " لأن هذه هي إرادة الله : قداستكم" (1تس 4: 3). القداسة هي أن تباعد بينك وبين الخطية قدر الامكان، أما النمو والإزدياد فيعني الاقتراب ، قدر الإمكان، من شخص الرب يسوع المسيح. فالتقديس هي عملية تستغرق طوال فترة غربتنا على هذه البسيطة. سيأتي اليوم ولن يبطيء حين يظهر لنكون "مثله لأننا سنراه كما هو" (1يو3: 2). إن أي تقصير في هذا الحق سيمتع رؤية مشيئة الله "الكاملة الصالحة المرضية" لحياة المؤمن .

الخضوع
"فاخضعوا لكل ترتيب بشري من اجل الرب ... لأن هكذا هي مشيئة الله ..." (1 بط 2: 13- 15). يعتبر الخضوع من إهم ثمار عمل روح الله في الانسان، وخصوصا في عصرنا هذا. إن التمرد وعدم الخضوع هما من سمات "الأيام الأخيرة" التي يجتهد الرسول بولس أن يؤكدها لإبنه تيموثاوس في آخر رسالة له وهو عالم أن وقت إنحلاله قد حضر (2تيم 4: 6). إن المؤمن يدور حول ثلاثة دوائر متنامية من الطاعة (الترتيبات البشرية) مركزها المشترك هو الله .
العائلة
في المقام الأول يتكلم الرسول مع المؤمن وخضوعه ضمن الدائرة العائلية الصغيرة حسب موقعه في الترتيب الالهي . فمن واجب المرأة ان تخضع لزوجها في البيت (حتى وإن ظنت صادقة، أنها أفضل من يقوم بهذا الدور!) ليس لأن الرجل "أفضل" من المرأة بل لأنه هو رأسها ("أما رأس المرأة فهو الرجل"، 1 كو 11: 3ب ) ! وكذلك الأولاد أن يخضعوا لوالديهم لأن هذا حق في الرب ( "أيها الاولاد أطيعوا والديكم في الرب لان هذا حق"، أف 6: 1) ولكن كل هذا الترتيب لن يجدي الرجل شيء إن لم يكن هو أولا خاضعاً للمسيح (بكونه هو رأس الرجل،"ولكن أريد أن تعلموا أن راس كل رجل هو المسيح"، 1كو11: 3أ). إن تغيير الترتيب الالهي أمر ممكن ولكن عواقبه وخيمه على المؤمن، عائلته ومجتمعه.
الكنيسة
الخضوع في كنيسة الله هو احد دعائم وحدتها وسلامتها، فهي الدائرة الثانية التي يمارس فيها المؤمن الخضوع والطاعة. إن النزعة البشرية العصرية نحو الفردية والتشديد على الفرد (وليس المجتمع) بكونه هو "المركز" ، وبالتالي مصالحه الخاصة هي الأهم هو الذي أزال "أسوار الحماية" للمجتمع الذي نعيش فيه وألقى به نحو دوامة العنف بكل أنواعه ودوائره. من السهولة تمييز تأثير هذه النزعة على المؤمنين بشكل كبير. ان أمور مثل :
1) عدم الالتزام وطاعة الرب بعدم ترك الاجتماعات، لدرجة أن تتحول الى عادة (عب 10: 25) ، بما في ذلك الاصرار والمواظبة على التأخير (تعبيرا منا على تمسكنا بعاداتنا !!) .
2) "حضور الاجتماعات " بصورة دورية ، حسب "حالة الطقس " أو "الوقت المتاح " بالادعاء أنه من المفضل "الذهاب " الى الكنيسة الفلانية من "إضاعة" الوقت في أمور أخرى كحضور المسلسلات التركية المدبلجة وغيره. كنيستك هي بيتك ! فكما انك لا تملك أكثر من بيت واحد (لربما امتلكت عدة منازل ولكن قطعا بيتا واحدا فقط) كذلك لا يمكنك أن تلتزم بأكثر من "كنيسة " واحدة.
3) عدم الرضى عن المكانة التي وضع الرب فيها المؤمن تدفعه الى التذمر الدائم وانتقاد الاخرين وأحيانا كثيرة "إحتقارهم" بكونهم لا "يعرفوا" كيفية الخدمة (والمقصود طبعا ، أنهم لا يخدمون حسب مفهومه هو للخدمة ، متصرفا وكأنه هو "صاحب العمل " ولربما صاحب حقوق "الربط والحل ").
إن الخضوع والطاعة يتطلب أكثر من مجرد ضبط النفس "وإرغامها" أو "تذليلها"، بل هو توجه عند المؤمن ينشد فيه العمل المشترك مع إخوته بتناغم كامل. أهمية الهدف الواحد ("مجد الله") للكنيسة يذلل كل الصعوبات نحو إمتلاك فكر المسيح والتخلي عن أفكارنا الذاتية وإرجاع الله الى مركز ممارساتنا
الكنسية (لأنه هذا هو المكان الذي يستحقه !) .
العالم
الدائرة الاخيرة هي الخضوع للترتيبات البشرية. ان هذه الترتيبات هي أصلا لمصلحة الانسان وبخضوعه لها إنما هو يعمل الخير لنفسه أولا !! يتضمن هذا الخضوع لكل قوانين الدوله (قوانين السير والضرائب وغيره ..) ولكل السلسلة الهرمية من المسؤولين . لأن هذا الموضوع بالذات هو بيدي الله بصورة مباشرة . إن الخضوع في دوائره الثلاثة هو مشروط. لا يجوز للمؤمن أن يخضع لأي أمر يناقض كلمة الله الصريحة أو الضمنية.

ألآلام
"فإذا الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير" (1بط 4: 19). عندما كتب الرسول بطرس رسالته الى المؤمنين اليهود المتغربين "من شتات بنتس وغلاطية وكبدوكية وأسيا وبثينية " أشار الى حياتهم على الارض بكونها فترة "غربة " (1بط 1: 17) وكونهم "غرباء" (2: 11) وهذا يفرض عليهم أن يحيوا "بسيرة مقدسة " (عدد 12) يقدر الجميع أن يروا "أعمالهم الحسنة" . ويكشف الرسول عن فضل التألم ظلما لدى الله (رغم كل أعمال الخير) لان هذه هي دعوتنا : أن نقتفي آثار المسيح ونتبع خطواته لانه هو أيضا تالم في هذا العالم ظلما :" ولكن وإن تألمتم من اجل البر فطوباكم " (3: 14أ) . فالهدف مرة اخرى أن:"يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح "(4: 11).
إن البلوى المحرقة التي أصابتهم أثارت لديهم الاستغراب الشديد. ان المؤمنين اليوم يظنون أنهم في مأمن عن الشرور التي تصيب أهل العالم فهم يكذبون على أنفسهم (وهذا مناقض لما قاله بطرس :" ... عالمين أن نفس هذه الالام تجري على إخوتكم الذين في العالم"، 5: 9). ان الفرق بيننا وبينهم أننا كمؤمنين نعلم علم اليقين "أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين مدعوون حسب قصده" (رو 8: 8). وهذا يعد فرقا شاسعا، إذ يثبت المؤمن بالرجاء المبارك . من كل ما سبق ، لنا الحق أن نستنتج أن مشيئة الله وإرادته للمؤمنين باسمه أن يتالموا في هذه الحياة (ولكن ليس وهم على خطأ أو بسبب خطاياهم !!) ، ومعظمنا قد مر في هذا الوادي ولذا فلنعمل بوصية الرسول بطرس ونستودع أنفسنا "كما لخالق أمين في عمل الخير " . ان المؤمن (أو جماعة المؤمنين) الذي بمنأى عن هذا العالم ليفحص نفسه إن كان سالك "في التقوي بالمسيح يسوع" (2 تيم 3: 12) !!!

فرح..صلاة..شكر
" إفرحوا كل حين . صلوا بلا إنقطاع . أشكروا في كل شيء. لان هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم" (1 تس 5: 16، 17، 18) . إن الفرح كل حين هو من إمتياز المؤمن . يستخدم الرسول بولس هنا ثلاثة أفعال بصيغة الامر – المستمر : إفرحوا..صلوا .. أشكروا.. بغض النظر عن الظروف المحيطة (وأحيانا المقنعة) من آلام إضطهادات .فالفرح عنصر مهم في حياة المؤمن المسيحي. ان استخدامه لصيغة الجمع تفيد أن هذه أمور يجب ممارستها كجماعة (كنيسة الله) وكأفراد أيضا. هذه الأمور المذكورة هنا موجه نحو الله ولكن الفعاليات التي تحيطها (12- 15 ، 19- 22) موجهة نحو القريب. وهذا توازن ضروري جداً في حياة المؤمن الفرد.
الصلاة (الفردية أو الجماعية ) هي جزء مهم من تلمذتنا الروحية . فالله يتوقع أن ندعوه (في وقت الضيق على الاقل ، أنظر إرميا 33: 3) . الصلاة بلا انقطاع تعني الحفاظ على روح الصلاة حتى تتغلغل في كياننا. نتعود على المثول امام محضر الله .وأخيرا يقول "أشكروا في كل شيء " ، حيث تتوسط الصلاة دعوتي الفرح والشكر. إن الصلاة هي شركة ثابته مع الله تمكننا من تمييز يد الله القوية بكل جزء من حياتنا مما يثير فينا مشاعر الفرح ويرغم أرواحنا على شكر الله في كل شيء (بولس نفسه فعل هذا بصورة متواصلة ، مثلا في 1: 3). يشدد الرسول أخيرا على أن كل هذه الممارسات يجب أن تمارس "في المسيح يسوع" بكونه الجو الملائم لنموها.
أخي الحبيب ! إذا سبق وضمنت نفسك ضمن المخلصين من شعب الرب ، وتوتظب على الامتلاء بالروح القدس كل حين مبتعدا عن الخطية بتقديس ذاتك القداسة اللائقة بالرب وأن تخضع لكل سلطه أقامك الله فيها دون خبث ، متألما لاجل المسيح بكونك تود السلوك بأمانة وبالتقوى وتمارس الفرح والصلاة والشكر في كل وضع مقتنعا أن الله صالح والى الأبد رحمته، وحقه يدوم من جيل الى جيل فافرح بهذا فأنت موجود ضمن مشيئة الله المعلنة لحياتك!!
عندما تكون ضمن هذه المشيئة فان معرفة إرادة الله تتم بصورة ديناميكية . يقول المزمر :" إتكل على الرب وافعل الخير أسكن الارض وارع الامانة. وتلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك!" (مز 37: 3، 4).
إذا فعلت كل ما أعلنه الله أنها مشيئته وأنت على يقين من ذلك ، فافعل إذا ما يحلو لك ! لأنه عندما تكون "ضمن مشيئته" فإن الله نفسه هو الذي زرع فيك هذه المشيئات !
هذه هي طريقة قيادة الله لشؤون البشر اليومية المحددة !