كنيسة بيت ايل المحلية - حيفا



لِتُعَرَّف بالمقاصد الإلهيّة
(تيطس 1 : 1 – 4 )

 إعتبر الرسول بولس – بفحص دقيق لرسائله – أن مهمة التبشير بالانجيل التي أوكلت إليه إمتيازاً عظيماً . هذا طبعا لا يقلل من المسؤولية الملقاة على عاتقه . قال مرّة : " َوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ " (1كو9 :16 ) , ولكن هذا الاحساس بالمسؤولية لم ينتقص من لهفته بإدراكه أن إختياره تم بمشورة الله الأزلية ليقدم للناس رسالة تعود بجذورها الى الازل , رسالة تكشف عن أفكار الله المنعمة , رسالة تحضر النعمة الى مجال إختبار الانسان .
عندما كتب الرسول الى تيطس نبّهه الى حقيقة ان الحياة الابديّة كانت امراً قد : " .. وَعَدَ بِهَا ٱللهُ ٱلْمُنَّزَهُ عَنِ ٱلْكَذِبِ، قَبْلَ ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّةِ " (1 :2 ) . يتضمّن قصد الله لهذا الكون تقريراً بضرورة إحضار البشر الى علاقة مع نفسه – مشاركته حياته الخاصّة , وهذا يعني , بقصد , إحضار الصّليب الى مركز المشورة الأزليّة . نظرة خاطفة عما كتبه بطرس الرسول في رسالته الاولى 1 : 18 -20 , يميز العلاقة بين الحمل والمعرفة السّابقة التي "قبل تأسيس العالم " , فمن المستحيل تجاهل النّتيجة أن هذين الموضوعين مربوطين سويّة , فقد وعد بالحياة " قبل تأسيس العالم " . لقد عرف الله أن بإعطائه حياة للناس سيكلّفه إبنه , أعظم عطيّة مكلّفة يستطيع إعطائها , فكانت ستكلفه حياة إبنه , آلام فظيعه وعار الصّليب . لا يسعنا الان الا السّجود بقلوبنا لمثل هذه المحبّة والنّعمة :
إننا نباركك يا أبانا / لأجل نعمتك التي إختارتنا / قبل تأسيس العالم / مقاصد نحن نختبرها
إنك ستمتلك شعباً / مفدي بدم إبنك الكريم / لتسكن معنا بالمجد / محبوبين كأولاد الله
ولكن عند ملء الزّمان , حين أصبح الصّليب حقيقة تاريخيّة , ظهر السؤال كيف ستًعرّف هذه المقاصد للبشر ؟ هل كانت ستبقى مخفيّة في قلب الله , وتستمر بالبقاء سريّة محجوبه عن أولئك الذين سيتباركون من خلالها , فهذا الجهل لمقاصد الله والمعنى الحقيقي للصّليب سيبقي البشر في الظّلام والعبوديّة للخطيّة ؟ كان على الله أن يجد طريقة لاحضار معرفة مقاصده الابديّة , بسلطانه المطلق , إختار الله أناس ليكونوا اوان لنقل معرفته . في تيطس 1 : 2 , يرجعنا الى قبل الازمنه الازلية , أما عدد 3 فيحضرنا للوقت الحاضر ونرى كيف أن الله " أظهر كلمته في أوقاتها الخاصه " , وعندما كتب بولس هذه الكلمات أدرك مجدّداً , وبشكر عميق , أن هذه " الكلمة " أًعطيَت له " بحسب أمر مخلصنا الله " . لقد فهم , بإرشاد الروح القدس , أن الله بشخصه كالمخلّص , هو الذي أمر أن يكشف " السر " , ففرح أن الله إختاره ليعمل هذا .
عندما كتب الرسول الى أهل تسالونيكي – قبل هذا الوقت بكثير – ربط المقصد الابدي بالانجيل الذي ميّزه الله ليعلمهم به " وَأَمَّا نَحْنُ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ ٱللهَ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ٱلْمَحْبُوبُونَ مِنَ ٱلرَّبِّ، أَنَّ ٱللهَ ٱخْتَارَكُمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ، بِتَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ وَتَصْدِيقِ ٱلْحَقِّ. ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ بِإِنْجِيلِنَا، لاِقْتِنَاءِ مَجْدِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ " (2تس2 :13 -14 ) فهو يقدم الشكر لله لاجل أولئك الذين وصفهم بالاخوة المحبوبين من الله , وذلك لانهم إختيروا منذ البدء للخلاص وذلك " بِتَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ وَتَصْدِيقِ ٱلْحَقِّ " . يظهر هذا القصد الالهي هنا بهذا الاختيار للخلاص , ولكن أيضاً " بتصديق الحق " وهو أمر ورابط ضروري في سلسلة البركات المقدّمة حسب قول بولس " بإنجيلنا " ( السلسلة هي : الاختيار .. التقديس .. اللتصديق .. الدعوة .. الاقتناء ).
يشدد أفسس 1 أيضاً على العلاقة بين التعيين السابق " حَسَبَ قَصْدِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ " (عد 11 ) والانجيل " .. كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ، إِنْجِيلَ خَلاَصِكُمُ .. " (عد 13 ) لمعرفة قصده . يشير العدد 4 أن الله " كَمَا ٱخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ " لقد كان هذا "..حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ.." (أف1 :5 ) ويربط المؤمن بالمسيح بعلاقة مع كل هذه ( الاعداد 10 – 12 ) .
إن السؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف عَرِفَت أسرار مشيئته لاهل أفسس ؟ كيف أدركوا مكانتهم في مقاصد الله العامل : " .. كل شيء حسب رأي مشيئته .. " ( 11ب) . يجاوب بولس على هذا السؤال قائلاً : " الَّذِي فِيهِ أَيْضاً أَنْتُمْ، إِذْ سَمِعْتُمْ كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ، إِنْجِيلَ خَلاَصِكُمُ، ٱلَّذِي فِيهِ أَيْضاً إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ ٱلْمَوْعِدِ ٱلْقُدُّوسِ " (أف1 :13 ) . لقد سمعوا الرّسالة وصدّقوها , إتّحدوا بالمسيح وختموا بالروح القدس , فأصبحوا شاكرين للابد لان الله أرسل رسلاً بشريين ليعرّفوهم بمشيئته.
لقد شدد الرسول بولس عدة مرّات عن مصدر رسالته , بسبب مضايقة مقاوميه لمصدر رسالته الالهية . أنظر غل 1 : 11 -12 : " وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ٱلإِنْجِيلَ ٱلَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ " (غل1 :11 -12 ) " ويكمل الفكرة في الاعداد 15 – 16 من نفس الفصل : " وَلَكِنْ لَمَّا سَرَّ ٱللهَ ٱلَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ أَنْ يُعْلِنَ ٱبْنَهُ فِيَّ لِأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ ٱلأُمَمِ، لِلْوَقْتِ لَمْ أَسْتَشِرْ لَحْماً وَدَماً (غل1 :15 -16 ) , فعلى الرغم من مقاومة المعلّمين الكذبة , والاعمال المدمّرة لقوى الظلمة والعداء المتنامي له من رجال السّلطة , لم يترك هذا الاقتناعُ الرسولَ أبداً بالمصدر الإلهي للخلاص والاختيار الإلهي للإنسان لتحويل أنظارهم نحو الحق . تظهر قراءة سريعه من 2 تيم 1 : 9 – 11 ( آخر رسائل بولس الرسول ) أن التعجّب ما زال ينبض داخل قلبه بفضل هذه النّعمة , فهو يذكّر تيموثاوس أن المؤمنين قد دعيوا : " .. دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى ٱلْقَصْدِ وَٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّةِ " (عد 9 ) وكيف أنه بملء الزّمان أظهر هذا القصد والنّعمة : " ..ٱلآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ ٱلإِنْجِيلِ " (عد 10 ) .
فكلّما تأمّل بولس بالتحرّكات الالهيّة السياديّة من الازل الى " الان " لاظهار يسوع المسيح نراه متجاهلاً لحقيقة كونه سجيناً محدود الحركة لا يعمل شيء , فرحاً باقترانه بالقصد الالهي : الذي جعل منه " كارزاً ورسولا ومعلّماً " .
إخوتي الاحبّاء , هل بيننا اليوم من يكرز وهو فاقد لتلك اللهفة التي كرز بها الرسل الاوّلون ؟ هل نسينا الامتياز العظيم أننا رسل الله المختارين لتقديم للناس معرفة قصد الله الابدي في المسيح ؟ ربّما تعوّدنا – أكثر من اللازم – على الكرازة , حتّى أن بريق الرّسالة لا يلفت إنتباهنا اكثر كما كان من قبل , فهي فقدت تأثيرها على حياتنا ففقدت بدورها أي تأثير على الاخرين . لنتأمل أفسس 3 : 7 – 9 : " الَّذِي صِرْتُ أَنَا خَادِماً لَهُ حَسَبَ مَوْهِبَةِ نِعْمَةِ ٱللهِ ٱلْمُعْطَاةِ لِي حَسَبَ فِعْلِ قُوَّتِهِ. لِي أَنَا أَصْغَرَ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ أُعْطِيَتْ هَذِهِ ٱلنِّعْمَةُ، أَنْ أُبَشِّرَ بَيْنَ ٱلأُمَمِ بِغِنَى ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي لاَ يُسْتَقْصَى، وَأُنِيرَ ٱلْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ ٱلسِّرِّ ٱلْمَكْتُومِ مُنْذُ ٱلدُّهُورِ فِي ٱللهِ خَالِقِ ٱلْجَمِيعِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ "سينهض فينا هذا الامتياز .
إن هذا الامتياز الموهوب لبولس , موهوب لنا أيضاً بالنعمة الالهية . فيا ليت البريق الذي فيه يلفت أنظارنا من جديد !!